إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. logo    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
shape
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
109924 مشاهدة print word pdf
line-top
افتتاحية الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم
قوله:
(الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد، لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( الشورى:11 )، له الأسماء الحسنى والصفات العلى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ( طه:5-7 ).

شرح:
 
نبدأ في شرح هذه المقدمة ثم ما بعدها، فقد ذكرنا في مقدمة الشرح سبب تأليفه لها، وهو أنه فقيه أشغل وقته في الفقه، ويظهر ذلك في مؤلفاته، ولكن لم يمنعه اشتغاله بالفقه أن يكتب في العقيدة، فألف فيها عدة مؤلفات،  ولكنها نبذ صغيرة، وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله، صاحب المؤلفات في الفقه؛ كـ ( المغني )، و( الكافي )، و( المقنع )، و( العمدة )، و( الروضة )، وغيرها من المؤلفات.

 يقول في هذه المقدمة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن .
أولا : ابتدأ كغيره بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز، حيث بدئ بالبسملة، وبدئ بالحمد لله وعملا بالحديث المشهور: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بباسم الله - وفي رواية - بالحمد لله، فهو أبتر - أو ( أقطع )، أو ( أجذم ) والمعنى أنه ناقص البركة.
يذكر المؤلفون هذا الحديث في مقدمات شروحهم كما ذكره البهوتي في مقدمة شرحه على ( زاد المستقنع )، وشرحه على الإقناع، وشرحه على المنتهى، وغيره, ثم بعد ذلك ابتدأ بالحمد لله.
والحمد في اللغة : الثناء على الإنسان؛ كالثناء عليه بخصاله الحميدة، وبعقله، وبديانته، وبأمانته، وبكرمه، وبجوده، وبحلمه، وبصفحه، وبصدقه، يعني: بالخصال التي يحمد عليها، التي يبالغ في الثناء عليه لأجلها، فهذا الثناء يسمى حمدًا.
فإذا أثنى عليه بأشياء لا صنع له فيها كما لو أثنى عليه بأنه جميل، أو طويل، أو قصير، أو لجمال صورته، وطول قامته، وفصاحته، وذكائه ونحو ذلك، فهذا الثناء يسمى مدحًا .
والفرق بين المدح والحمد:
 الحمد: الثناء بالصفات التي تخلَّق بها، كالصدق، والأمانة، والعلم، والحلم، وما أشبهها.
وأما المدح : فهو الثناء عليه بالصفات التي جُبل عليها، ولا صنع له فيها كالجَمال، والطول، والخلقة، وما أشبه ذلك.
فالله - تعالى - يُثنَى عليه بكل الصفات ، فيثنى عليه بصفات الكمال، وبصفات الجمال، وبصفات الأفعال. فيستحق أن يثنى عليه بكل الصفات، فهو أهل للحمد، وهو المستحق له، ولأجل ذلك حمد نفسه في كثير من السور كالفاتحة، وسورة الأنعام، وسورة الكهف، وسورة سبأ، وسورة فاطر، ابتدأها الله بالحمد لله رب العالمين.
وكذلك أخبر بأنه المستحق للحمد، وبأنه يُثنى عليه بالحمد في قوله تعالى: وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( الزمر:75 ) وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( يونس:10 ) وغير ذلك ، وكثرة ذكر الحمد دليل على أنه ذكرٌ يذكر به الله، ويمدح به، ويثنى عليه به، وأنه يحبه ويحب مَن يحمده، ويحب من يثني عليه ويثيبهم على ذلك، وأنه أهل للحمد وأهل للثناء.
أما تعريف الحمد في الاصطلاح: فذُكر له تعريفان:
التعريف الأول : إن الحمد فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعمًا على الحامد وغيره، وهذا كأنه يختص بحمد المنعم، يعني: لا يحمد إلا بسبب كونه منعمًا، وأن الحمد فعلٌ ينبئ عن تعظيمه.
ولا شك أنه مستحق للتعظيم، ولا شك أن الحمد تعظيم، ولكن الصحيح أن الله - تعالى - يُحمد على كل حال، يحمد على الخير، ويحمد على الضرر، وذلك أنه إنما يسلط الضرر والشر أو البلاء لحِكَمٍ هو أعلم بها، فلأجل ذلك يحمد على الخير، ويحمد على الشر.
ولا يحمد على الشر سواه، وذلك أنه لا يبتلي بالشر كالمصائب والآفات والفقر والأذى والأمراض ونحوها، إلا لحكم ومصالح؛ فلأجل ذلك تحمده إذا أصابك مرض وألم، وإن أصابك فقر أو أذى فإنك تحمده على ذلك، وإن أصابك سجن أو جلدٌ أو أذى من خلق يسلطهم الله عليك فإنك تحمد الله على ذلك.
وإن كان ذلك لا يستدعي الفرح بذلك، ولا الرضا به، وبكل حال فهذا يبين أن في هذا التعريف شيء من الخلل وهو قولهم: إنه فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعمًا على الحامد، وغيره، فالله - تعالى - يعظَّم لكونه منعمًا، ولكونه مبتليًا.
التعريف الثاني للحمد: أن الحمد ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله.
ولعل هذا التعريف أسلم، ولكن الحمد لا يستلزم أن تذكر المحاسن كلها، ولكن إنما يحمد حمدًا مطلقًا، فتقول: الحمد لله، ولو لم تذكر محاسنه التي حمدته عليها، فقولهم: ذكر محاسن المحمود، كأنهم يقولون: إن ذلك على وجه الإجمال، نحمده أي: نذكر محاسنه سواء بالقلب أو باللسان، فمثلا في أول سورة الفاتحة ابتدأها الله بقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( الفاتحة:2 ) هذا من محاسنه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( الفاتحة:3 ) هذا من محاسنه مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ( الفاتحة:4 ) هذا من محاسنه، وكذلك في سورة الأنعام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ( الأنعام:1 ) هذا من محاسنه، وفي أول سورة الكهف الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ( الكهف:1 ) هذا من محاسنه، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ( الكهف:1 ) هذا من محاسنه، وأشباه ذلك.
والحمد: هو ذكر محاسن المحمود وذكر فضائله، وذكر صفاته الحميدة مع حبه وتعظيمه وإجلاله، أي: إن الحمد يستدعي من الحامد هذه الثلاثة: الحب، والتعظيم، والإجلال.
فهذان التعريفان اصطلاحيان للحمد، ولا شك أنه - سبحانه - أهل الحمد كما شرع ذلك في الصلاة، فالمصلي إذا رفع من الركوع يقول الإمام: سمع الله لمن حمده، والمأمومون والإمام كلهم يحمدون الله، ويقولون: ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد وفي بعض الروايات اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد كل ذلك في صفة الحمد.
ولا شك أن العبد إذا حمد الله ، كان قد عبده بهذه الكلمة الحمد لله، واجتمع كونه معظمًا له، ومحبًّا، ومجلا له بهذه الكلمة، فقد أدى عبادة، وأي عبادة، وإن كان للحمد أيضًا أسباب كما إذا تجددت نعمة فإنك تحمده عليها، ونعم الله تجدد بالغدو والآصال كما في قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها وأينا يستغني عن الأكل والشرب في اليوم عدة مرات، إذن فإذا تجددت هذه النعمة ، فإنك تحمده عليها.
كذلك أيضا تقول بعد الفراغ من التخلي: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في منفعته، وأذهب عني أذاه أو بعد الخروج من الخلاء فتقول: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني فلا يستغني الإنسان أن يحمد الله في كل الحالات ، إذًا فالله تعالى محمود دائمًا: إما بلسان الحال، وإما بلسان المقال.
وقوله: الحمد لله المحمود بكل لسان ، قد تقول: كيف يكون ذلك مع أن كثيرًا من الألسن لا يعرفون الله، أولا يعترفون بفضله فضلا عن أن يحمدوه؟
والجواب: إن الألسن ناطقة بحمده إما بلسان الحال، وإما بلسان المقال، فألسنة الكفرة ولو كانت لا تذكر الله، ولو كانوا ينسبون النعم إلى غير الله، ولو كانوا يكفرون به وبنعمه، ولو كانوا يصرفون العبادة لغيره، ولكن لسان حال أحدهم معترف بأنه محتاج إلى رب، وأنه لا يستغني عنه طرفة عين ، لسان حال أحدهم معترف بأنه مخلوق مفتقر إلى الخالق، وذلك الخالق له الفضل عليه، فلا بد أن يكون صاحب الفضل أهلا أن يثنى عليه، وأهلا أن يحمد إذًا، فهو حامد بلسان حاله شاء أم أبى.
فهذا دليل على أن الله تعالى : محمود بكل لسان، من لسان حال، أو لسان مقال، وقد ذكر الله - تعالى - أن جميع المخلوقات ذليلة له كما في قوله تعالى: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ( الجمعة:1 ) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ ( النحل:49 ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ( الحج:18 ) إلى آخر آيات السجود.
والتسبيح لا شك أنه عبادة، وأنها قطعية الحصول، ولو كرهاً، ولهذا قال تعالى في آية الرعد وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ ( الرعد:15 ) يعني وإن لم يسجدوا فإنه يسجد ظلالهم، إذا فهم يعترفون شاءوا أم أبوا بأنهم خاضعون وذليلون لله تعالى.

line-bottom